الرحلة إلى البحث عن الحب والسعادة: رائحة المخمل

رواية “مخمل” للكاتبة حزامة حبايب

جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2017

Umme Aarifah Khoodoruth , aarifahkhoodoruth@hotmail.com

الرحلة إلى البحث عن الحب والسعادة: رائحة المخمل

ظهرت في عام 2016 رواية ليس لها مثيل في العالم العربي بعنوان “مخمل” للكاتبة حزامة حبايب. إن حبايب من أصل فلسطيني وقد عاش أبوها في مخيم يقع في الأردن بعدما تعرض للتشريد من أرضه. تختلف حبايب عن محمود درويش وفدوى طوقان من حيث أنهما عبّرا عن حبهما لفلسطين وحزنهما إثر نزوحهما عن هذه الأرض والحنين الناجم عن ذلك. أمّا حبايب، فكتبت عن الحياة اليائسة للفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات الأردن بكل حذافيرها. فتتعامل حبايب مع حقيقة اللاجئين وتعطي صوتا لهؤلاء الناس المنكوبين بدلا من التعبير عن مشاعرها فحسب. من بين الموضوعات المتنوعة التي تتعامل معها حبايب في الرواية، تشدد على أن المخيم لا يملأ مكان الوطن أبدا. 

تدور الرواية حول شخصية من الشخصيات الأساسية اسمها حوّا وهي تعيش في مخيم البقعة. لا توجد في حياتها إلا الأحزان والآلام والقسوة وهي دائما تبحث عن الحب والسعادة. وأثناء بحثها إلى الحب والسعادة، تتعرف على القماش مخمل بفضل ست قمر- شخضية أساسية أخرى في الرواية. يصبح المخمل رمزيا جدا بالنسبة لحوا، مثلما تقول حبايب تماما إنّ المخمل ’يرمز إلى الحب المطلق والحياة السعيدة المتخيلة خارج المخيم‘ (نشوان: 2019) و’يجلب كل ما كانت حوا تحلمه ولكنها ما وجدت أي إمكانية الحصول عليه‘ (سعيد: 2019). نتيجة لذلك، تحتل رائحة المخمل مكانا محوريا في حياة ست قمر وحوا كليهما. تعلّق حبايب اهتماما عظيما بالحاسات الخمسة في روايتها وهذا رمزي للغاية لأن القدرة على الحسّ تمتلكها الكائنات. فربّما تريد حبايب أن تشدد على أنّ الناس الذين يعيشون في مخيمات هم كائنات أيضا يحسّون بما حولهم ولهم مشاعر. من هذا المنطلق، سوف أقدّم تفاصيل عن نقطتين: أولا، كيف أصبح المخمل ورائحته رمزيا لست قمر وحوا وثانيا، ما هو دور رائحة المخمل في حياة حوا. 

في الرواية، هناك علاقة متينة بين ست قمر وحوا من حيث أنّ ست قمر لها تأثير عظيم على حوا. تذهب حوا إلى بيت ست قمر لتتعلم الخياطة من يدها. تسكن ست قمر في بيت جميل في صويلح وتتمنى حوا لو كان لها بيت مثل بيت ست قمر. ولكن عكس الزمن الراهن من الرواية، كانت ست قمر تعيش في مخيم أيضا في الماضي. في يوم من الأيام، ترى حوا أن ست قمر تحاول أن ترتدي فستانا من مخمل ولكنه لم يعد يناسبها. فتبكي ست قمر وتقول لحوا إنها قد طعنت في السن. في تلك اللحظة، تقول لها حوا إنها ستخيط فستانا مخمليا جديدا لها. فتتخيل ست قمر نفسها ترتدي ذلك الفستان وتصبح في قمة السعادة ويبدو أنها أسعد حبيبة في العالم كله. من هذه اللقطة، نفهم أن ست قمر ارتدت فستانا مخمليا في أيام شبابها لما كانت قد وقعت في الحب. وفي الوقت الراهن، كفى حزنا أن حبيبها قد مات ولكن مشاعر الحب القديمة ترجع إليها لما ترتدي فستانا مخمليا. وذلك لأنّ المخمل يحمل ذكريات تلك الأيام النفيسة من حياتها. وللأسف لم تعُد ست قمر تستطيع أن تلبس فستانها الآن؛ فلا يكون المخمل بصلة مع جسمها. ولكن رغم ذلك، لا تزال تشمّ الرائحة المخملية الصادرة من الفستان ولم تتغير هذه الرائحة مطلقا. نتيجة لذلك، تحمل رائحة المخمل معان كثيرة لست قمر؛ على سبيل المثال، لا الحصر، تصف ست قمر رائحة المخمل كـ”رائحة الدفء… رائحة النضج… رائحة العمق… ورائحة المدى” (ص. 56). فتجد ست قمر الحب والسعادة وكل خير آخَر في رائحة المخمل وهكذا تعيش في الوقت الحالي بالرغم من حنينها الشديد. 

أما حوا، فهي لا تتمتع بعلاقات سليمة مع عائلتها في المخيم ولذا، تتعطش لتجد الحب. وإذا وجدت الحب سعدت. تحت تأثير ست قمر، تبحث حوا عن المشاعر التي تجدها ست قمر في المخمل. فيصبح المخمل وخاصة رائحته رمزيا لحوا وكلما تواجه حوا موقفا صعبا، تأتي رائحة المخمل إلى ذهنها وتجد السلوى. لذلك لا تستطيع حوا أن تفارق المخمل أبدا. تلعب رائحة المخمل دورا جوهريا في حياة حوا. 

من الممتع أن حوا تعرفت على المخمل خارج المخيم – في بيت ست قمر. في الرواية هناك مقارنة مستمرة بين الحياة في المخيم والحياة خارجه. تعاني حوا من شيئين رئيسين في المخيم. أوّلا، المخيم نفسه قذر والبيوت فيه عريقة في القدم وهناك رائحة كريهة دائمة فيه. علاوة على ذلك، لا تعامل عائلة حوا معها بأدنى حد من الشفقة والرأفة. بل، حوا عرضة للعنف الأسري وتتمنى لو تزوجت بشخص يحبها حبا جما يوما ما. عكس هذا الموقف، تجد حوا المخمل وتشمّه في بيت ست قمر. زد على ذلك، تتعامل معها ست قمر حسن المعاملة. فلما تكون حوا في المخيم، تشم رائحة المخمل وهكذا تتذكر ست قمر وبيتها وتسعد فتجد مفرا من المخيم المروعة في ذهنها. توصف رائحة المخمل بـ”نكهة رحيقية” في الرواية لأنها تساعد حوا في الهروب من حياتها الواقعية في المخيم. يبدو من هذه النقطة أنّ حبايب تريد أن تشدد على أنّ الوطن يكون مثل بيت ست قمر؛ يجد شخص الراحة والسعادة والحب فيه ويشعر بأنه ينتمي إلى هذا المكان. فعندما تشم حوا رائحة المخمل تشعر بـ”وطنها” الذي ترغبه. إذن، يرمز المخمل إلى الوطن بالنسبة لحوا. 

في الأجزاء اللاحقة من الرواية، تعشق حوا رجلا اسمه منير واتفقا على الزواج. تتخيل حوا كيف سيكون بيتها بعد الزواج وتقول إنها ستبقى حزينة حتى ولو سيوجد في البيت الحب والمخمل وأشياء أخرى تحبها لأن البيت سيقع في المخيم. فيخطط منير أن يبني بيتهما خارج المخيم فتسرّ حوا سرورا كبيرا. يدل هذا على أنّه محال للناس أن يجدوا السعادة في المخيم. زيادة على ما سبق، بعدما تشعر حوا بالحب الحقيقي من طرف منير أخيرا، تقول إنّ رائحة الحب لا تشبه أي رائحة أخرى تعرفت عليها في حياتها حتى لا رائحة المخمل. نستطيع أن نفهم من ذلك أنّ المخمل يساعد حوا في أن تجد السلوى ضمن آلامها ولكن لا يقوم بدور الحب نفسه أبدا. 

بالاختصار، رائحة المخمل رمزي جدا في هذه الرواية من حيث أنها تجلب شعور الحب والسعادة إلى كل مِن حوا وست قمر. ولكن الحب الحقيقي ليس له مثيل كما تقول حوا. إلى جانب ذلك، تدل هذه الرواية على أن سكان المخيمات لهم القدرة على الحس لأنهم بشر عاديون؛ فالحب مهم لسعادتهم. ولكن المخيمات – بوصفها مكانا خاليا من الحب الحقيقي – ليست مناسبة لتُسْكَن فيها كبشر عاديين؛ فلا تملأ المخيمات فراغ الوطن أبدا. يبدو أنّ حبايب تريد أن تؤكّد على أن الوطن هو مكان حيث يُمْكِن المواطن أن يحسّ بالحب والسعادة. فلما تكون حوا في المخيم وهي تعاني من القساوة التي تسود فيه، تشمّ رائحة المخمل الذي يفضيها إلى المكان حيث وجدت المخمل – وهذا بيت ست قمر. وبالنسبة لحوا، تكون البيوت في الوطن مثل بيت ست قمر. فكذلك تقود رائحة المخمل حوا إلى الوطن الذي ترغب فيه. بهذه الطريقة، تستطيع حوا أن تبقي على قيد الحياة ضمن فظائع المخيم. 

بالرغم من أنّ حبايب تسلّط الضوء على نتيجة التشريد، تندب خسارة الوطن بشكل غير مباشر من حيث أنها تؤكّد على أن الوطن لا يُعَوَّض أبدا!

المصادر والمراجع:

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2019/7/24/الروائية-حزامة-حبايب-أواجه-سلطة-المجتمع-بقلبي-الهش-وقوة-الكلمة

https://arablit.org/2019/03/30/huzama-habayeb-writing-place-when-displaced/